الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
(باب ما جاء في نكاح المتعة) يعني تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة 1117- حدثنا ابنُ أَبي عُمرَ حدثنا سُفْيَانُ عنْ الزّهْرِيّ عنْ عَبْدِ الله و الحَسَنِ ابنيْ مُحَمّدِ بنِ عَلِيَ عنْ أَبِيهِمَا عنْ عَلِيَ بنِ أَبي طَالِبٍ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ وعنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيّةِ زَمَنَ خَيْبَر". قال: وفي البابِ عنْ سَبْرَةَ الجُهنِيّ وأَبي هُرَيْرَةَ. قال أبو عيسى: حديث عليّحدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ والعَمَلُ على هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ وإنّمَا رُوِيَ عنْ ابنِ عَبّاسٍ شَيءٌ مِنَ الرّخْصَةِ فِي المُتْعَةِ ثُمّ رَجَعَ عنْ قَوْلِهِ حَيْثُ أخْبرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأَمْرُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ المُتْعَةِ وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وابنِ المُبَارِك والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ. 1118- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُقْبَةَ أَخُو قَبِيصَةَ بنِ عُقْبَةَ حدثنا سُفْيَانُ الثّوْرِيّ عنْ مُوسَى بنِ عُبَيدَةَ عنْ مُحَمّدِ بنِ كَعْبٍ عنْ ابنِ عَبّاسٍ قالَ: إنّمَا كَانَتْ المُتْعَةُ فِي أَوّلِ الإسْلاَمِ كانَ الرّجُلُ يَقدَمُ البَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ فيَتَزَوّجُ المَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أنّهُ يُقيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ وتُصْلِحُ لَهُ شَيأه إِذَا حَتّى نَزَلَتْ الاَيَةُ {إلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ} قالَ ابنُ عَبّاسٍ: فَكُلّ فَرْجٍ سوى هذين فَهُوَ حَرَامٌ. قوله: (عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه ومحمد هذا هو الذي يعرف بابن الحنفية وابنه عبد الله كنيته أبو هاشم. وذكر البخاري في التاريخ ولأحمد عن سفيان وكان الحسن أرضاهما إلى أنفسنا، وكان عبد الله يتبع السبئية انتهى. والسبئية ينسبون إلى عبد الله بن سبأ وهو من رؤساء الروافض. وكان المختار بن أبي عبيد على رأيه ولما غلب على الكوفة وتتبع قتلة الحسين فقتلهم، أحبته الشيعة ثم فارقه أكثرهم لما ظهر منه من الأكاذيب. وكان من رأى السبئية موالاة محمد بن علي بن أبي طالب، وكانوا يزعمون أنه المهدي وأنه لا يموت حتى يخرج في آخر الزمان. ومنهم من أقر بموته وزعم أن الأمر بعده صار إلى ابنه أبي هاشم هذا. ومات أبو هاشم في آخر ولاية سليمان بن عبد الملك سنة ثمان أو تسع وتسعين (نهى عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر) الظرف متعلق بكلا الأمرين ففي رواية للبخاري: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء، وعن لحوم الحمر الأهلية. وهكذا في رواية لمسلم. قوله: (وفي الباب عن سبرة الجهني) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة، أخرجه أحمد ومسلم: أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة. قال فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء. وذكر الحديث إلى أن قال فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع عن النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً. كذا في المنتقى (وأبي هريرة) أخرجه الدارقطني مرفوعاً بلفظ: هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث. قال الحافظ في التلخيص: إسناده حسن قوله: (حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله: (وأمر أكثر أهل العلم على تحريم المتعة، وهو قول الثورى وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحازمي في كتاب الاعتبار. وهذا الحكم كان مباحاً مشروعاً في صدر الإسلام وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود: وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم. ولهذا نهاهم عنه غير مرة ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وكان تحريم تأبيد لا تأقيت. فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة إلا شيئاً ذهب إليه بعض الشيعة. ويروى أيضاً عن ابن جريج جوازه وسنذكر أحاديث تدل على صحة ما ادعيناه. ثم ذكر الحازمي تلك الأحاديث إن شئت الوقوف عليها فعليك أن تراجعه. قوله: (عن موسى بن عبيدة) بالتصغير الربذى بفتح الراء والموحدة ضعيف قاله الحافظ (حتى إذا نزلت الاَية: إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم). قال الطيبي يريد أن الله تعالى وصفهم بأنهم يحفظون فروجهم عن جميع الفروج إلا عن الأزواج والسراري، والمستمتعة ليست زوجة لانتفاء التوارث إجماعاً، ولا مملوكة بل هي مستأجرة نفسها أياماً معدودة، فلا تدخل تحت الحكم انتهى. وحديث ابن عباس هذا رواه الحازمي في كتاب الاعتبار وقال: هذا إسناد صحيح لولا موسى بن عبيدة الربذي يسكن الربذة انتهى. قلت قال الحافظ ضعيف كما تقدم وقد روى روايات عديدة عن ابن عباس في الرجوع ذكرها الحافظ في الفتح. وقال يقوي بعضها بعضاً.
(باب ما جاء من النهي عن نكاح الشغار) قال في النهاية: هو نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل شاغرني أي زوجني أختك أو بنتك أو من تلى أمرها حتى أزوجك أختي أو بنتي أو من ألى أمرها ولا يكون بينهما مهر، ويكون بضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الأخرى. وقيل له شغار لارتفاع المهر بينهما من شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول، وقيل الشغر البعد، وقيل الاتساع انتهى 1119- حدثنا مُحمدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أبي الشّوَارِبِ حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ حدثنا حُمَيدٌ و (هُوَ الطّوِيلُ) قالَ: حَدّثَ الحَسَنُ عنْ عِمرَانَ بنِ حُصَين عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ جَلَبَ ولا جَنَبَ ولا شِغَارَ في الإسْلاَمِ، ومَنْ انتَهَبَ نُهْبَةً فَلَيْسَ مِنّا". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال: وفي البابِ عَنْ أَنَسٍ وأبي رَيْحَانَةَ وابنِ عُمَرَ وجَابِرٍ ومُعَاوِيَةَ وأبِي هُرَيْرَةَ وَوَائِلِ بنِ حُجْرٍ. 1120- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ حدثنا مَالِكٌ عنْ نَافِع عنْ ابنِ عُمَرَ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ الشّغَار". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ عَامّةِ أهْلِ العِلْمِ لاَ يَرَوْنَ نِكَاحَ الشّغَارِ. والشّغَارُ أَنْ يُزَوّجَ الرّجُل ابْنَتَهَ عَلَى أَنْ يُزَوّجَهُ الاَخَرُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ ولاَ صَدَاقَ بَيْنَهُمَا. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ نِكَاحُ الشّغَارِ مَفْسُوخٌ ولاَ يَحِلّ وإنْ جعَلَ لَهُمَا صَدَاقاً. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمدَ وإسْحَاقَ. ورُوِيَ عنْ عَطَاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ أنّه قالَ يُقَرّانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا ويُجْعَلُ لَهُمَا صَدَاقُ المِثْلِ وهُوَ قَوْلُ أهْلِ الكُوفَةِ. قوله: (ولا جلب ولا جنب) بفتحتين فيهما (ولا شغار) بكسر أوله (في الإسلام) الظاهر أنه قيد في الكل ويحتمل أن يكون قيداً للأخير والجلب والجنب يكونان في السباق وفي الزكاة فالجب في السباق أن يتبع فرسه رجلاً يجلب عليه ويصيح ويزجره حثاً له على الجري. والجنب أن يجنب إلى فرسه فرساً عرياناً فإذا فتر المركوب تحول إليه. والجلب في الزكاة أن لا يقرب العامل أموال الناس بل ينزل موضعاً ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها. فنهى عنه وأمر أن تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم. والجنب أن يجنب رب المال بماله أي يبعده عن مواضعه حتى يحتاج العامل إلى الإبعاد في أتباعه وطلبه. وفي المرقاة للقاري: والشغار أن تشاغر الرجل وهو أن تزوجه أختك على أن يزوجك أخته ولا مهر إلا هذا، من شغر البلد إذا خلا وهو قول أكثر أهل العلم. والمقتضي إفساده الاشتراك في البضع يجعله صداقاً. وقال أبو حنيفة والثوري: يصح العقد لكل منهما (ومن انتهب نهبة) بفتح النون وسكون الهاء مصدر، وأما بالضم فالمال المنهوب، أي من أخذ ما لا يجوز أخذه قهراً جهراً (فليس منا) أي ليس من المطيعين لأمرنا أو ليس من جماعتنا وعلى طريقتنا. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي. قوله: (وفي الباب عن أنس) أخرجه أحمد والنسائي (وأبي ريحانة) أخرجه أبو الشيخ بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المشاغرة. والمشاغرة أن يقول: زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر (وابن عمر) أخرجه الجماعة (وجابر) أخرجه مسلم وأخرج البيهقي أيضاً عن جابر بلفظ: نهى عن الشغار، أن تنكح هذه بهذه بغير صداق يضع هذه صداق هذه، ويضع هذه صداق هذه، (ومعاوية) أخرجه أحمد وأبو داود (وأبي هريرة رضي الله عنه) أخرجه أحمد ومسلم (ووائل بن حجر) لينظر من أخرجه. وفي الباب أيضاً عن أبي بن كعب مرفوعاً: لاشغار. قالوا: يا رسول الله ما الشغار؟ قال: "نكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما". قال الحافظ إسناده ضعيف. قوله: (نهى عن الشغار) هكذا أخرجه الترمذي مختصراً، وأخرجه الشيخان وغيرهما مع تفسير الشغار هكذا نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته، وليس بينهما صدق. قال في المنتقى وأبو داود جعله أي تفسير الشغار من كلام نافع، وهو كذلك في تفسير متفق عليها انتهى قال القرطبي: تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعاً فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضاً لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال انتهى. قلت قد وقع في حديث أبي بن كعب: قالوا يا رسول الله ما الشغار؟ قال "إنكاح" المرأة الخ. فهذا نص صريح في أن تفسير الشغار مرفوع لكن هذا الحديث ضعيف كما عرفت، لكن قال الحافظ: وإسناده وإن كان ضعيفاً لكنه يستأنس به في هذا المقام انتهى. قوله: (وقال بعض أهل العلم نكاح الشغار مفسوخ، ولا يحل، وإن جعل لهما صداق. وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق الخ) قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز. ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان. وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي، وذهب الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المئل. وهو قول الزهرى ومكحول والثوري والليث، ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور، وهو قول على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة، لكن قال الشافعي: إن النساء محرمات إلا ما أحل الله أو ملك يمين، فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم. كذا في فتح الباري. قلت: والظاهر هو ما قال الشافعي رحمه الله والله تعالى أعلم.
1121- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي الجَهْضَمِيّ حدثنا عَبْدُ الأعْلَى بن عبد الأعلى حدثنا سَعيدُ بنُ أبي عَروبَةَ عنْ أبي حريزٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ ابنِ عَبّاسٍ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُزَوّج المَرأة عَلَى عَمّتِهَا أَوْ على خَالتِهَا". وأبو حريز اسمه عبد الله بن حسين. 1122- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي. حدّثنَا عَبْدُ الأعْلَى عَنْ هِشَامِ بنِ حَسّانَ، عنِ ابنِ سِيرِينَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. قال: وفي البابِ عن عَلِي وابنِ عُمَرَ وعَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ وأبي سَعِيدٍ وَأبي أُمَامَةَ وَجَابِرٍ وعَائِشَةَ وأبي مُوسى وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ. 1123- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِي الخلال حدثنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ. أنبأنا دَاوُدُ بنُ أبي هِنْدٍ أخبرنا عَامِرٌ عَن أبي هُرَيْرَةَ، "أنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمّتِهَا أَوِ الْعَمّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا أَوِ الْمَرْأةُ عَلَى خَالَتِها، أَوِ الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا. وَلاَ تُنْكَحُ الصّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى، ولاَ الكُبْرَى عَلَى الصّغْرَى". قال أبو عيسى: حدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ وأَبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَملُ علَى هذا عِنْدَ عَامّةِ أهْلِ العِلْمِ، لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفاً، أَنّهُ لا يَحِلّ لِلرّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا. فَإِنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى عَمّتِها أَوْ خَالَتِهَا أوْ العَمّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، فَنِكاحُ الأُخْرَى مِنْهُمَا مَفْسُوخٌ. وَبِهِ يَقُولُ عَامّةُ أهْلِ العِلْمِ. قال أبو عيسى: أَدْرَكَ الشعْبيّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَرَوَى عَنْهُ. وَسَأَلْتُ مُحَمّداً عَنْ هذَا، فَقَالَ: صَحِيحٌ. قال أبو عيسى: وَرَوَى الشّعْبيّ عَنْ رَجُلٍ عنْ أَبِي هُرَيْرَة. قوله: (عن أبي حريز) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية وبالزاء، قال الحافظ في التلخيص اسمه عبد الله بن حسين علق له البخاري، ووثقه ابن معين وأبو زرعة، وضعفه جماعة فهو حسن الحديث. قوله: (نهى أن تزوج) بصيغة المجهول أي تنكح (المرأة على عمتها أو خالتها) روى ابن حبان في صحيحه، وابن عدي هذا الحديث من طريق أبي حريز عن عكرمة عن ابن عباس وزاد في آخره: إنكم إذا فعلتم ذلك فطعتم أرحامكم. ذكره الحافظ في التلخيص قال: وفي الباب ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة انتهى. وقد ظهر بهذه الزيادة حكمة النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وهي الاحتراز عن قطع الرحم. قال النووي هذا دليل لمذهب العلماء كافة أنه يحرم الجمع بينهما سواء كانت عمة وخالة حقيقية وهي أخت الأب وأخت الأم أو مجازية وهي أخت أبي الأب وأبي الجد وإن علا، وأخت أم الأم وأم الجدة من جهتي الأم والأب وإن علت. فكلهن حرام بالإجماع، ويحرم الجمع بينهما في النكاح أو في ملك اليمين انتهى. قوله: (وفي الباب عن علي وابن عمر وعبد الله بن عمرو الخ) وقال البيهقي قد جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة وليس فيها شيء شرط الصحيح انتهى. قال الحافظ في الفتح بعد نقل قول البيهقي هذا: وذكر مثل ذلك الترمذي بقوله: وفي الباب لكن لم يذكر ابن مسعود، ولا ابن عباس ولا أنسا. وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة. ووقع لي أيضاً من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص. ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود فصار عدة من رواه غير الأولين يعني جابراً وأبا هريرة. ثلاثة عشر نفساً وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم. قال: ولولا خشية التطويل لأوردتها مفصلة انتهى كلام الحافظ. قوله: (حدثنا عامر) هو الشعبي. قوله: (نهى أن تنكح) بصيغة المجهول (ولا تنكح الصغرى) أي ببنت الأخ أو بنت الأخت وسميت صغرى لأنها بمنزلة البنت (على الكبرى) أي سناً غالباً أو رتبة فهي بمنزلة الأم. والمراد بها العمة والخالة (ولا الكبرى على الصغرى) كرر النفي من الجانبين للتأكيد لقوله: نهى عن تنكح المرأة على عمتها الخ. قوله: (حديث ابن عباس وأبي هريرة حديث حسن صحيح) المراد بحديث ابن عباس هو المذكور أولاً وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان. وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضاً. ومسلم لم يخرجه هكذا بتمامه ولكنه فرقه حديثين فأخرج صدره عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها انتهى. وأخرج باقيه عن قبيصة بن ذويب عن أبي هريرة مرفوعاً: لا تنكح العمة على بنت الأخ ولا ابنة الأخت على الخالة انتهى. كذا في نصب الراية. قوله: والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافاً الخ. وقال ابن المنذر: لست أعلم في منع ذلك اختلافاً اليوم. وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج. وإذا ثبت الحكم بالسنة، واتفق أهل العلم على القول به لم يضره خلاف من خالفه. وكذا نقل الإجماع ابن عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي، لكن استثنى ابن حزم عثمان البتي وهو أحد الفقهاء القدماء من أهل البصرة، واستثنى النووي طائفة من الخوارج والشيعة واستثنى القرطبي الخوارج ولفظه: اختار الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها، ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين انتهى. وفي نقله عنهم جواز الجمع بين الأختين غلط بين. فإن عمدتهم التمسك بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة. وإنما يردون الأحاديث لاعتقادهم عدم الثقة بنقلتها وتحريم الجمع بين الأختين بنصوص القرآن. كذا في فتح الباري. قوله: (فنكاح الأخرى منهما مفسوخ) أي باطل وأما نكاح الأولى منهما فصحيح. هذا إذا عقد على إحداهما ثم عقد على الأخرى. وأما إذا عقد عليهما معاً بعقد واحد فنكاحهما باطل: قوله: (أدرك الشعبي أبا هريرة) الشعبي بفتح الشين المعجمة هو عامر بن شراحيل الكوفي ثقة مشهور فقيه فاضل قال: أدركت خمسمائة من الصحابة. فائدة الجمع بين زوجة رجل وبنته من غيرها جائز. قال البخاري في صحيحه: جمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي. وقال ابن سيرين لا بأس به. وكرهه الحسن مرة ثم قال لا بأس به انتهى.
1124- حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسى. حدثنا وَكِيعٌ. حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بنُ جَعْفَرٍ عنْ يَزِيدَ بنِ أَبي حَبِيبٍ، عنْ مَرْثَدِ بنِ عَبْدِ الله الْيزَنِيّ أَبي الخَيْرِ، عنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ قالَ: "قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنّ أَحَقّ الشّرُوطِ أَنْ يُوفَى بِهَا، مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُروجَ". حدثنا أبو مُوسَى مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى. حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ، نحْوَهُ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ منْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. مِنْهُمُ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ قالَ: إذَا تَزَوّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً. وشَرَطَ لَها أَنْ لا يُخْرِجَهَا منْ مِصْرِهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا، وهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ. وبِهِ يِقُولُ الشّافِعِيّ وأحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عنْ عَلِي بنِ أَبِي طَالِبٍ أَنّهُ قالَ: شَرْطُ الله قَبْلَ شَرْطِهَا. كأَنّهُ رَأَى لِلزّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا وَإنْ كانَتِ اشْترَطَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لاَ يُخْرِجَهَا. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْم إِلَى هذَا. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وبَعْضِ أَهْلِ الكُوفَةِ. قوله: (عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة (ابن عبد الله اليزني) بفتح التحتانية والزاي بعدها نون (أبي الخير) كنية مرثد قوله: (إن أحق الشروط أن يوفي بها) بالتخفيف من باب الأفعال، ويجوز التشديد من التفعيل، وأن يوفي بها بدل من الشروط، والمعنى أحق الشروط بالوفاء (ما استحللتم به الفروج) خبر إن، قال القاضي المراد بالشروط، ههنا المهر لأنه المشروط في مقابلة البضع. وقيل جميع ما تستحقه المرأة بمقتضى الزوجية من المهر والنفقة وحسن المعاشرة فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت فيه. وقيل كل ما شرط الزوج ترغيباً للمرأة في النكاح ما لم يكن محظوراً. قال النووي: قال الشافعي أكثر العلماء على أن هذا محمول على شرط لا ينافي مقتضى النكاح، ويكون من مقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها، ومن جانب المرأة أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه، ونحو ذلك. وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم لها ولا يتسرى عليها، ولا ينفق ولا يسافر بها ونحو ذلك. فلا يجيب الوفاء به بل يكون لغواً ويصح النكاح بمهر المثل. وقال أحمد يجب الوفاء بكل شرط. قال الطيبي: فعلى هذا الخطاب في قوله: (ما استحللتم) للتغليب فيدخل فيه الرجال والنساء. ويدل عليه الرواية الأخرى "ما استحللتم به الفروج" كذا في المرقاة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة. قوله: (منهم عمر بن الخطاب قال: إذا تزوج الرجل امرأة وشرط لها أن لا يخرجها من مصرها فليس له أن يخرجها) روى سعيد بن منصور من طريق إسماعيل بن عبيد الله وهو ابن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنيم قال: كنت مع عمر حيث تمس ركبتي ركبته. فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين تزوجت هذه. وشرطت لها دارها وإني أجمع لأمري أو لشأني أن انتقل إلى أرض كذا وكذا فقال: لها شرطها. فقال الرجل: هلك الرجل إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها إلا طلقت فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم انتهى. وذكره البخاري في صحيحه مختصراً معلقاً. وقد اختلف عن عمر فروى ابن وهب بإسناد جيد عن عبيد بن السباق أن رجلاً تزوج امرأة فشرط لها أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط. وقال: المرأة مع زوجها. قال أبو عبيد: تضادت الروايات عن عمر في هذا: وقد قال بالقول الأول عمرو بن العاص ومن التابعين طاؤس وأبو الشعثاء وهو قول الأوزاعي (وهو قول بعض أهل العلم. وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ: والنقل في هذا عن الشافعي غريب بل الحديث عندهم محمول على الشروط التي لا تنافي مقتضى النكاح، بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى، وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها. وكشرطه عليها أن لا تخرج إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك، وأما شرط ينافي مقتضى النكاح كأن لم يقسم لها، أو لا يتسرى عليها أو لا ينفق أو نحو ذلك، فلا يجب الوفاء به بل إن وقع في صلب العقد لغى وصح النكاح بمهر المثل في وجه يجب المسمى، ولا أثر للشرط. وفي قول للشافعي يبطل النكاح، وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشرط مطلقاً وقد استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح، وقال: تلك الأمور لا تؤثر الشروط في إيجابها. فلا تشتد الحاجة إلى تعليق الحكم باشتراطها. وسياق الحديث يقتضي خلاف ذلك لأن لفظ أحق الشروط يقتضي أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء بها، وبعضها أشد اقتضاء، والشروط التي هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها انتهى. (وعن علي بن أبي طالب أنه قال: شرط الله قبل شرطها كأنه رأى للزوج أن يخرجها، وإن كانت اشترطت على زوجها أن لا يخرجها. وذهب بعض أهل العلم إلى هذا وهو قول سفيان الثورى وبعض أهل الكوفة) قال الحافظ: وقال الليث والثوري والجمهور بقول علي: حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلاً فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله إخراجها، ولا يلزمه إلا المسمى. وقالت الحنفية لها أن ترجع بما نقصته له من الصداق. وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل وقال أبو عبيد والذي نأخذ به أنا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن يحكم عليه بذلك. قال: وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك الشرط فكذلك هذا. قال الحافظ: ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب ما في حديث عائشة في قصة بريرة: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل والوطء والإسكان وغيرهما من حقوق الزوج إذا شرط عليه إسقاط شيء منها كان شرطاً ليس في كتاب الله. وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء ابن معروف فقالت: إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن هذا لا يصلح" انتهى.
1125- حدثنا هَنّادٌ. حدثنا عَبْدَةُ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ الزّهْريّ، عنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله، عنِ ابنِ عُمَرَ أَنّ: غَيْلانَ بنَ سَلَمَةَ الثّقَفِيّ أسْلمَ ولَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ في الْجَاهلِيّةِ، فَأسْلَمنَ مَعَهُ. فَأَمَرَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَخَيّرَ ارْبَعاً مِنْهُنّ. قال أبو عيسى: هكذا رواه معمر عنِ الزّهْرِيّ، عنْ سَالمٍ، عنْ أبِيهِ. قال: وَسَمِعْتُ مُحَمّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: هذا حديثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. والصّحِيحُ مَا رَوَى شُعَيْبُ بنُ أبي حَمْزَةَ وَغَيْرُهُ عنِ الزّهْرِيّ وَحَمْزَةَ، قالَ: حُدّثْتُ عنْ مُحَمّدِ بنِ سُوَيْدٍ الثّقَفِيّ، أَنّ غَيْلاَنَ بن سَلَمَةَ أسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ. قالَ مُحَمّدٌ: وإنمَا حَدِيثُ الزّهْرِيّ عنْ سَالمٍ، عنْ أَبِيهِ أنّ رَجُلاً مِنْ ثَقِيف طَلّقَ نِسَاءَهُ. فقالَ لَهُ عُمَرُ: لَتُراجِعَنّ نِسَاءَكَ، أوْ لأرْجُمَنّ قَبْرَكَ، كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أبِي رِغَالٍ. قال أبو عيسى: والعَمَلُ عَلَى حَديثِ غَيْلاَنَ بنِ سَلَمَةَ عِنْدَ أصْحَابِنَا. مِنْهُمْ الشّافِعِيّ وأحْمَدُ وإِسْحَاقُ. قوله: (إن غيلان) بفتح الغين (أن يتخير منهن أربعاً) قال المظهر فيه إن أنكحة الكفار صحيحة، حتى إذا أسلموا لم يؤمروا بتجديد النكاح إلا إذا كان في نكاحهم من لا يجوز الجمع بينهن من النساء، وإنه لا يجوز أكثر من أربع نسوة، وإنه إذا قال اخترت فلانة وفلانة للنكاح ثبت نكاحهن وحصلت الفرقة بينه وبين ما سوى الأربع من غير أن يطلقهن. قال محمد في موطإه: بهذا نأخذ يختار منهن أربعاً أيتهن شاء، ويفارق ما بقي. وأما أبو حنيفة رحمه الله فقال: الأربع الأول جائز ونكاح من بقي منهن باطل. وهو قول ابراهيم النخعي رحمه الله قال ابن الهمام والأوجه قول محمد. وفي الهداية: وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك. قال ابن الهمام: اتفق عليه الأربعة وجمهور المسلمين. أما الجواري فله ما شاء منهن انتهى. قوله: (قال محمد وإنما حديث الزهرى عن سالم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر الخ) يعني أن المحفوظ عن الزهري بهذا السند هو هذا الموقوف على عمر. وأما الحديث المرفوع المذكور بهذا السند فهو غير محفوظ، بل الصحيح أنه عن الزهري قال حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم الخ. كما روى شعيب بن حمزة وغيره عن الزهري، لا كما روى معمر عن الزهري. وحكم مسلم في التمييز على معمر بالوهم، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة: المرسل أصح لكن الإمام أحمد أخرج في مسنده عن ابن علية، ومحمد بن جعفر جميعاً عن معمر بالحديثين معاً المرفوع والموقوف على عمر ولفظه: أن ابن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اختر منهن أربعاً" فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه. فبلغ ذلك عمر. فقال إني لأظن الشيطان مما يسترق من السمع سمع بموتك، فقذفه في نفسك وأعلمك أنك لا تمكث إلا قليلاً. وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك، ولاَمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال انتهى. والموقوف على عمر هو الذي حكم البخاري بصحته عن الزهري عن سالم عن أبيه بخلاف أول القصة. قوله: (كما رجم قبر أبي رغال) بكسر الراء المهملة بعدها غين معجمة في القاموس في فصل الراء من باب اللام: وأبو رغال ككتاب في سنن أبي داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال: "هذا قبر أبي رغال". وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث. وقول الجوهري كان دليلاً للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير معتد به، وكذا قول ابن سيدة كان عبداً لشعيب وكان عشاراً جائراً انتهى. وفي بعض الحواشي يضرب به المثل في الظلم والشؤم، وهو الذي يرجم الحاج قبره إلى الاَن. قال جرير: إذا مات الفرزدق فارجموه كما ترجمون قبر أبي رغال.
1126- حدثنا قُتَيْبَةُ. حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عنْ أبي وَهْبٍ الْجَيْشَانِيّ أنّهُ سَمِعَ ابْنَ فَيْرُوزَ الدّيْلمِي يُحَدّثُ عنْ أبِيهِ قالَ: "أَتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقلت: يَا رَسُولَ الله إني أسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتَانِ. فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: اخْتَرْ أيّتَهُمَا شِئْتَ". حدثنا محمد بن بشار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أسلمتُ وتحتي أُختان قال: "اختر أَيتهُما شِئتَ". هذا حديثٌ حسنٌ. وأبو وَهْبٍ الْجَيْشَانِيّ اسْمُهُ الدّيْلَمُ بنُ هُوشَع. قوله: (انه سمع ابن فيروز) بفتح الفاء غير منصرف للعجمة والعلمية واسمه الضحاك (بحديث عن أبيه) هو فيروز الديلي وهو من أبناء فارس من فرس صنعاء، وكان ممن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاتل الأسود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة باليمن قتل في آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصله خبره في مرضه الذي مات فيه، روى عنه ابناه الضحاك وعبد الله وغيرهما مات في خلافة عثمان قوله: (اختر أيتهما شئت) وفي رواية أبي داود: طلق أيتهما شئت. قال المظهر: ذهب الشافعي ومالك وأحمد إلى أنه لو أسلم رجل وتحته أختان وأسلمتا معه كان له أن يختار إحداهما، سواء كانت المختارة تزوجها أولاً أو آخراً، وقال أبو حنيفة رحمه الله: أن تزوجهما معاً لا يجوز له أن يختار واحدة منهما، وأن تزوجهما متعاقبتين له أن يختار الأولى منهما دون الأخيرة انتهى. قال الشوكاني: والظاهر ما قاله الأولون لتركه صلى الله عليه وسلم الاستفصال ولما في قوله: ختر أيتهما من الإطلاق انتهى. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه قال في النيل: وأخرجه أيضاً الشافعي، وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي، وأعله البخاري والعقيلي انتهى. قلت: في سند الترمذي ابن لهيعة فتحسينه لتعدد الطرق، قوله: (وأبو وهب الجيشاني) بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة (اسمه الديلم بن هوشع) وقال ابن يونس هو عبيد بن شرحبيل مقبول من الرابعة كذا في التقريب.
1127- حدثنا عُمرُ بنُ حَفْصٍ الشّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ. حدثنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ. حدثنا يَحْيَى بنُ أيّوبَ عنْ رَبِيعَةَ بنِ سُلَيمٍ، عنْ بُسْرِ بنِ عُبَيْدِ الله، عنْ رُوَيْفِعٍ بنِ ثَابِتٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِالله والْيَوْمِ الاَخِرِ فَلاَ يَسْقِ مَاءَهُ وَلدَ غَيْرِهِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ رُوَيْفِعِ بنِ ثَابِتٍ. والْعَملُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ، لاَ يَرَوْنَ لِلرّجُلِ، إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَهِيَ حَامِلٌ، أَنْ يَطَأَهَا حَتّى تَضَعَ. وفي البابِ عنْ أبي الدّرْدَاءِ وابنِ عَبّاسٍ والْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ، وأَبي سَعِيدٍ. قوله: (عن بسر) بضم الموحدة وسكون السين المهملة (ابن عبيد الله) الحضرمي الشامي ثقة حافظ (عن رويفع) بالتصغير قوله: (فلا يسقى) بفتح أوله أي يدخل (ماءه) أي نطفته (ولد غيره) وفي رواية أبي داود زرع غيره يعني إتيان الحبالى، وزاد أبو داود: ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الاَخر أن يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الأخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وابن حبان وصححه، والبزار وحسنه. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه الحاكم بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم. وقال: لا تسق ماءك زرع غيرك. وأصله في النسائي (وأبي الدرداء) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أتى على امرأة مجح على باب فسطاط فقال لعله يريد أن يلم بها". فقالوا: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره، وكيف يورثه وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود، ورواه أبو داود الطيالسي وقال: كيف يورثه وهو لا يحل له؟ وكيف يسترقه وهو لا يحل له؟ والمجح هي الحامل كذا في المنتقى (والعرباض بن سارية) أخرجه أحمد والترمذي بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهم. كذا في المنتقى (وأبي سعيد) أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبى أوطاس "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة". وأخرجه الحاكم وصححه. قال الحافظ في التلخيص إسناده حسن انتهى.
(باب ما جاء يسبى الأمة ولها زوج هل يحل له أن يطأها) أي هل يجوز للسابى وطء تلك الأمة بعد الاستبراء. 1128- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا هُشَيْمٌ. حدثنا عُثمانُ الْبَتّيّ عنْ أبي الْخَليِل، عنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أوْطَاسٍ، وَلَهُنّ أَزْوَاجٌ في قَوْمِهِنّ. فَذَكَرُوا ذلِكَ لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ: {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إلاّ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ}. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الثّوْرِيّ عنْ عُثمانَ الْبَتّيّ، عنْ أبي الخَلِيلِ، عنْ أبي سَعِيدٍ. وأبُو الْخَليلِ اسْمُهُ صالِحُ بنُ أبي مَرْيمَ. ورَوَى هَمّامٌ هذا الْحَدِيثَ عنْ قَتَادَةَ، عنْ صَالِحٍ أبي الخَلِيلِ، عَنْ أبي عَلْقَمَة الهَاشِميّ، عنْ أبي سَعِيدٍ، عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم. حَدّثَنَا بِذلِكَ عَبدُ بنُ حُمَيْدٍ. حدثنا حَبّانُ بنُ هِلاَلٍ. حدثنا هَمّامٌ. قوله: (حدثنا عثمان البتي) هو عثمان بن مسلم البتي بفتح الموحدة وتشديد المثناة أبو عمرو البصري صدوق (أصبنا سبايا يوم أوطاس) بالصرف وقد لا يصرف، موضع أو بقعة على ثلاث مراحل من مكة، فيها وقعة للنبي صلى الله عليه وسلم قال القاري: (والمحصنات) أي وحرمت عليكم المحصنات أي ذوات الأزواج (من النساء) أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن حرائر مسلمات كن أولا (إلا ما ملكت أيمانكم) من الإماء بالسبي فلكم وطؤهن، وإن كان لهم أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء. والحديث رواه مسلم مطولاً ولفظه. أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشاً إلى أوطاس فلقى عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا فكأن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين. فأنزل الله تعالى في ذلك: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن انتهى. قال النووي المراد بقوله إذا انقضت عدتهن أي استبراؤهن وهي بوضع الحمل عن الحامل، وبحيضة من الحاثل، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة. والحديث دليل عن أن السبايا يحل وطؤهن بعد الاستبراء، وإن كن ذوات الأزواج. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
(باب ما جاء في كراهية مهر البغى) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية وهو فغيل بمعنى فاعله، وجمع البغى البغايا، والبغاء بكسر أوله الزنا والفجور، وأصل البغاء الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد 1129- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أبي مسعود الانصاري قالَ: "نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ ثَمنِ الْكَلْبِ ومَهْرِ البَغِيّ وحُلْوَانِ الْكاهِنِ". قال: وفي البابِ عنْ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ وأبي جُحَيْفَةَ وأَبي هُرَيْرَةَ وابنِ عَبّاسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي مَسْعُودٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (عن ثمن الكلب) فيه دليل على تحريم بيع الكلب وظاهره عدم الفرق بين المعلم وغيره، سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز. وإليه ذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: يجوز. وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره، ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد. قال في الفتح ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف. فينبغي حمل المطلق على المقيد، ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صلح هذا المقيد للاحتجاج به (ومهر البغى) المراد به ما تأخذه الزانية على الزنا، وهو مجمع على تحريمه (وحلوان الكاهن) بضم الحاء المهملة وسكون اللام، هو ما يعطاه الكاهن على كهانته. والكاهن- قال الخطابي- هو الذي يدعى مطالعة علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن. قال الحافظ في الفتح: حلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل. وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب: قوله: (وفي الباب عن رافع بن خديج وأبي جحيفة وأبي هريرة وابن عباس) أما حديث رافع بن خديج فلينظر من أخرجه. وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه البخاري ومسلم. وأما حديث أبي هريرة فلينظر من أخرجه. وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وأبو داود. قوله: (حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة.
(باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) قال في النهاية خطب يخطب خطبه بالكسر فهو خاطب، والاسم منه الخطبة أيضاً وأما الخطبة بالضم فهو من القول والكلام انتهى. وقال في الصراح خطبة بالكسر زن خواستن 1130- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ و قُتَيْبَةُ قالاَ: حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزّهْرِيّ. عنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ (قالَ قتَيْبَةُ: يَبْلُغُ بِهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقالَ أَحْمَدُ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم): "لاَ يَبِيعُ الرّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، ولاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ". قال: وفي البابِ عنْ سَمُرَةَ وابنِ عُمَرَ. قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. قالَ مَالِكُ بنُ أنَسٍ: إنمَا مَعْنَى كَرَاهِيَةِ أنْ يَخْطُبَ الرّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، إذَا خَطَبَ الرّجُلُ الْمَرْأَةَ فَرَضِيَتْ بِهِ، فَلَيْسَ لإحَدٍ أنْ يخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ. وقالَ الشّافِعِيّ مَعْنَى هذَا الْحَدِيثِ "لاَ يَخْطُبُ الرّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ"، هذَا عِنْدَنَا إذَا خَطَبَ الرّجُلُ الْمَرْأَةَ فَرَضِيَتْ بِهِ ورَكَنَتْ إلَيْهِ، فَليْسَ لإحَدٍ أنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ. فَأَمّا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ رِضَاهَا أوْ رُكُونَها إلَيْهِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَهَا. والحُجّةُ في ذلِكَ حدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، حَيْثُ جَاءَتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ أنّ أبَا جَهْمِ بن حُذَيْفَةَ ومعُاوِيَةَ بنَ أبي سُفْيَانَ خَطَبَاهَا. فقالَ "أَمّا أَبُو جَهْمٍ، فَرَجُلٌ لاَ يَرْفَعُ عَصَاهُ عنِ النّسَاءِ. وأمّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ. ولكِنِ انْكِحِي أُسَامَةَ". فَمَعْنَى هذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا، والله أَعْلَمُ، أنّ فَاطِمَةَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِرِضَاهَا بوَاحِدِ مِنْهُمَا. ولَوْ أَخبَرَتْهُ، لَمْ يُشِرْ عَلَيْهَا بِغَيْرِ الّذِي ذَكَرَتْ. 1131- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبُو دَاوُدَ قالَ: أنْبَأَنَا شُعْبَةُ قالَ: أخْبَرَني أبُو بَكْرٍ بنُ الْجَهْمِ قالَ: دَخَلْتُ أنَا وأبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَلى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. فَحَدّثَتْنَا أنّ زَوْجَهَا طَلّقَهَا ثَلاَثاً، ولَمْ يَجْعَلْ لهَا سُكْنَى ولاَ نَفَقَةً. قَالتْ: وَوَضَعَ لِي عَشْرَةَ أقْفِزَةٍ عِنْدَ ابنِ عَمَ لَهُ: خَمْسَةً شَعِيراً وخَمْسَةً بُراً. قَالتْ: فَأَتيْتُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ. قَالتْ: فقَالَ "صَدَقَ" قالت فَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدّ في بَيْتِ أُمّ شَرِيكٍ. ثمّ قالَ لِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "إنّ بَيْتَ أُمّ شَرِيكٍ بَيْتٌ يَغْشَاهُ الْمُهَاجِرُونَ. وَلكِنِ اعْتَدّي في بَيْتِ ابنِ أُمّ مَكْتُومٍ. فَعَسَى أَنْ تُلْقِي ثِيَابَكِ فلا يَرَاكِ. فَإذَا انْقْضَتْ عِدّتُكِ فَجَاءَ أَحَدٌ يَخْطُبكِ فآذِنِيني". فَلمّا انْقضَتْ عِدّتِي، خَطَبَنِي أبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ. قَالتْ: فَأَتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ. فَقَالَ: "أمّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ لاَ مَالَ لَهُ. وَأَمّا أبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ شَدِيدُ عَلَى النّسَاءِ". قَالتْ، فَخَطبَنِي أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، فَتَزَوّجَنِي، فَبَارَكَ الله لِي في أُسَامَةَ. هذا حديثٌ صحيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثّوْرِي عنْ أبي بَكْرِ بنِ أبي الجَهْم نحْوَ هذَا الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِيهِ: فقَالَ لِي النبيّ صلى الله عليه وسلم "انْكِحِي أُسَامَةَ". حدثنا مَحْمُودٌ حدثنا وَكِيعٌ عنْ سُفْيَانَ، عنْ أبي بَكْرِ بنِ أبي الْجَهْم بِهذَا. قوله: (قال قتيبة يبلغ به) أي قال قتيبة في روايته يبلغ به أي يرفع أبو هريرة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال أحمد) أي قال أحمد بن منيع في روايته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فمعنى روايتهما واحد وإنما الفرق في اللفظ. قوله: (لا يبيع الرجل على بيع أخيه) قال العلماء البيع على البيع حرام. وكذلك الشراء على الشراء. وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص أو يقول للبايع: افسخ لأشتري منك بأزيد: قال الجمهور لا فرق في ذلك بين المسلم والذمي، وذكر الأخ خرج للغائب فلا مفهوم له (ولا يخطب على خطبة أخيه) قال الجزري في النهاية: هو أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقا على صداق، ويتراضيا ولم يبق إلا العقد. فأما اذا لم يتفقا ولم يتراضيا. ولم يركن أحدهما إلى الاَخر، فلا يمنع من خطبتها وهو خارج عن النهي انتهى. قوله: (وفي الباب عن سمرة وابن عمر) وفي الباب أيضا عن عقبة بن عامر. أما حديث سمرة فأخرجه أحمد مرفوعاً بلفظ: نهى النبي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه. وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والبخاري والنسائي ولفظه: لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب. وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه أحمد ومسلم ولفظه: المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي قوله: (والحجة في ذلك حديث فاطمة بنت قيس الخ) قال النووي في شرح مسلم: هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم الخطبة على خطبة أخيه. وأجمعوا على تحريمها إذا كان قد صرح للخاطب بالإجابة ولم يأذن ولم يترك فلو خطب على خطبته وتزوج، والحالة هذه عصى، وصح النكاح ولم يفسخ. هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال داود يفسخ النكاح وعن مالك روايتان كالمذهبين. وقال جماعة من أصحاب مالك: بفسخ قبل الدخول لا بعده وأما إذا عرض له بالإجابة ولم يصرح ففي تحرير الخطبة على خطبته قولان للشافعي: أصحهما لا يحرم. وقال بعض المالكية: لا يحرم حتى يرضو بالزوج ويسمى المهر. واستدلوا لما ذكرناه من أن التحريم إنما هو إذا حصلت الإجابة بحديث فاطمة بنت قيس فإنها قالت خطبني أبو جهم ومعاوية، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم خطبة بعضهم على بعض بل خطبها لأسامة. وقد يعترض على هذا الدليل فيقال لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فأشار بأسامة، لا أنه خطب له واتفقوا على أنه إذا ترك الخطبة رغبة عنها، أو أذن فيها جازت الخطبة على خطبته وقد صرح بذلك في هذه الأحاديث انتهى. قوله: (على فاطمة بنت قيس) أي القرشية أخت الضحاك كانت من المهاجرات الأول (فحدثت أن زوجها طلقها ثلاثاً)، وفي رواية لمسلم وغيره فبعث إليها بتطليقه كانت بقيت لها (ووضع لي عشرة أقفزة) جمع قفيز وهو مكيال معروف (خمسة شعير وخمسة بر) بدل من عشرة أقفزة (فقال صدق) أي في عدم جعله لك السكنى والنفقة. (يغشاها المهاجرون) أي يدخلون عليها (فعسى أن تلقى ثيابك فلا يراك) قال النووي احتج بعض الناس بهذا على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف نظره إليها، وهو ضعيف. والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها لقوله تعالى: {قل للمؤمنات يغضوا من أبصارهم} الاَية. ولحديث أم سلمة: أفعمياوان أنتما؟ وأيضاً ليس في هذا الحديث رخصة لها في النظر إليه، بل فيه أنها آمنة عنده من نظر غيره، وهي مأمورة بغض بصرها عنه انتهى. (خطبني أبو جهم ومعاوية) أبو جهم هذا هو عامر بن حذيفة العدوي القرشى، وهو مشهور بكنيته، وهو الذي طلب النبي صلى الله عليه وسلم انبجانية في الصلاة. قال النووي: وهو غير أبي جهم المذكور في التيمم، وفي المرور بين يدي المصلي ومعاوية هذا هو ابن أبي سفيان بن حرب الأموي. (أما معاوية فرجل لا مال له وفي رواية مسلم: فصعلوك لا مال له. والصعلوك بالضم الفقير الذي لا مال له (وأما أبو جهم فرجل شديد على النساء) وفي رواية لمسلم: فرجل ضراب للنساء. وفي هذا دليل على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحة، ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة. (فبارك الله في أسامة) وفي رواية مسلم: فجعل الله فيه خيراً واغتبطت. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم بطوله والبخاري مختصراً. قوله: (ورواه سفيان الثوري عن أبي بكر بن أبي جهم الخ) أخرج هذه الرواية مسلم. وقد أخرح مسلم حديث فاطمة بنت قيس من طرق عديدة مطولاً مختصراً. وقد استنبط منه النووي فوائد كثيرة في شرح مسلم فعليك أن تراجعه.
(باب ما جاء في العزل) بفتح العين المهملة وسكون الزاي هو النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج 1132- حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ أبِي الشّوَارِبِ حدثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ. حدثنا مَعْمَرٌ عنْ يَحْيَى بْنِ أبي كَثِيرٍ، عنْ مُحَمّدِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ ثَوْبَانَ، عنْ جَابرٍ قالَ: "قُلْنَا: ياَ رسولَ الله إنّا كُنَا نَعْزِلُ. فَزَعَمَتِ الْيَهُودُ أنّهُ الْمَوْءُودَةُ الصّغْرَى. فقَالَ: كَذَبَتِ الْيَهُودُ. إِنّ الله إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ فلَمْ يَمْنَعْهُ". قال: وفي البابِ عنْ عُمَرَ وَالبرَاءِ وأَبي هُرَيْرَةَ وأبي سَعِيدٍ. 1133- حدثنا قُتَيْبَةُ و ابنُ عُمَرَ قالاَ: حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْروِ بنِ دِينَارٍ، عنْ عَطَاءٍ، عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ: كُنّا نَعْزِلُ، وَالْقُرْآنُ يَنزِلُ. قال أبو عيسى: حدِيثُ جَابِرٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَقَدْ رَخّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، في الْعَزْلِ. وقالَ مَالِكُ بنُ أنَسٍ: تُسْتَأْمَرُ الحُرّةُ في الْعَزْلِ، ولا تُسْتَأْمَرُ الأَمَةُ. قوله: (فزعمت اليهود أنه) أي العزل (الموءودة الصغرى) الوأد فن البنت حية، وكانت العرب تفعل ذلك خشية الإملاق والعار. قاله النووي. والمعنى أن اليهود زعموا أن العزل نوع من الوأد لأن فيه إضاعة النطفة التي أعدها الله تعالى ليكون منها الولد. وسعياً في إبطال ذلك الاستعداد بعزلها عن محلها (كذبت اليهود) أي في زعمهم إن العزل الموءودة الصغرى (إن الله تعالى إذا أراد أن يخلقه لم يمنعه) أي العزل أو شيء. وهذا الحديث دليل لمن أجاز العزل. قوله: (وفي الباب عن عمر والبراء وأبي هريرة وأبي سعيد) أما حديث عمر فأخرجه أحمد وابن ماجه عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل من الحرة إلا بإذنها. قال صاحب المنتقى ليس إسناده بذاك. وقال الشوكاني: في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف، ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقى عن ابن عباس قال. نهى عن عزل الحرة إلا بإذنها. وروى عنه ابن أبي شيبة. أنه كان يعزل عن أمته. وروى البيهقي عن ابن عمر مثله. وأما حديث البراء فلينظر من أخرجه. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي نحو حديث أبي سعيد. وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد وأبو داود قال. قالت اليهود: العزل الموءودة الصغرى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذبت اليهود، إن الله عز وجل لو أراد أن يخلق شيئاً لم يستطع أحد أن يصرفه. فإن قلت حديث الباب وما في معناه يعارضه حديث جذامة بنت وهب ففيه: ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الوأد الخفي". وهي (وإذا الموءودة سئلت). أخرجه أحمد ومسلم فما وجه الجمع والتوفيق بين هذين الحديثين؟ قلت قد اختلفوا في وجه الجمع، فمن العلماء من جمع بينهما بحمل حديث جذامة على التنزيه. وهذه طريقة البيهقي. ومنهم من ضعف حديث جذامة لمعارضته لما هو أكثر منه طرقاً. قال الحافظ: وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم. والحديث صحيح لا ريب فيه، والجمع ممكن. ومنهم من ادعى أنه منسوخ. ورد بعدم معرفة التاريخ. وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولاً من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم علمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحرم شيئاً تبعاً لليهود، ثم يصرح بتكذيبهم فيه. ومنهم من رجح حديث جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالاختلاف في إسناده والاضطراب. وقال الحافظ: ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا فيما يقوى بعضه بعضاً، فإنه يعمل به وهو هنا كذلك، والجمع ممكن ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة، وحديثها يدل على المنع. قال فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان. وتعقب بأن حديثها ليس صريحاً في المنع، إذا لا يلزم من تسميته وأدا خفياً على طريقي التشبيه أن يكون حراماً. وجمع ابن القيم فقال الذي كذب فيه صلى الله عليه وسلم اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلاً، وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد. فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأد حقيقة وإنما وأدا خفياً في حديث جذامة. لأن الرجل إنما يعزل هرباً من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد. لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد فقط. فلذلك وصفه بكونه خفياً. وهذا الجمع قوي كذا في النيل. قوله: (كنا نعزل والقرآن ينزل) فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على حكم من الأحكام لأنه لو كان ذلك الشيء حراماً لم يقررا عليه، ولكن بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذهب الأكثر من أهل الأصول على ما حكاه في الفتح: إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع. قال لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره. لتوفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام. قال وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك، وأخرج مسلم من حديث جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا. قوله: (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: (وقد رخص قوم من أهلم العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العزل) فاستدلوا بأحاديث الباب. (وقال مالك بن أنس: تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الأمة) يدل عليه ما رواه أحمد وابن ماجه عن عمر بن الخطاب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها. وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه مقال معروف ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال: نهى عن عزل الحرة إلا بإذنها، وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته. وروى البيهقي عن ابن عمر مثله. وقد اختلف السلف في حكم العزل فحكى في الفتح عن ابن عبد البر أنه قال: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، لأن الجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه العزل. قال الحافظ وافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة قال: وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لاحق للمرأة في الجماع فيجوز عندهم العزل عن الحرة بغير إذنها على مقتضى قولهم. ويدل على اعتبار الإذن من الحرة حديث عمر المذكور. وأما الأمة فإن كانت زوجة فحكمها حكم الحرة. واختلفوا هل يعتبر الإذن منها أو من سيدها؟ وإن كانت سرية فقال في الفتح: يجوز بلا خلاف عندهم إلا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقاً. كمذهب ابن حزم.
1134- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ و قُتَيْبَةُ قالاَ: حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنِ ابنِ أبي نجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ، عنْ قَزَعَةَ، عنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "لِمَ يَفْعَلُ ذلِكَ أحَدُكُمْ؟". قال أبو عيسى: زَادَ ابنُ أبي عمَرَ في حَدِيثِهِ: وَلَمْ يَقلْ لاَ يَفْعَلْ ذَاكَ أَحَدُكُمْ. قالاَ في حَدِيثهِمَا: "فَإِنّهَا لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلاّ الله خَالِقُهَا". قال: وفي البابِ عنْ جَابِر. قال أبو عيسى: حدِيثُ أَبي سَعِيدٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عنْ أبي سَعِيدٍ. وَقَد كَرِهَ الْعَزْلَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ مِنَ أَصْحَابٍ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. قوله (عن قزعة) بفتح القاف والزاي ابن يحي البصري ثقة من الثالثة. قوله: (لم يفعل ذلك أحدكم. وزاد ابن أبي عمر في حديثه ولم يقل لا يفعل ذلك أحدكم) أشار إلى أنه لم يصرح لهم بالنهي. وإنما أشار إلى أن الأولى ترك ذلك. لأن العزل إنما كان خشية حصول الولد، فلا فائدة في ذلك لأن الله إن كان قد خلق الولد لم يمنع العزل ذلك، فقد يسبق الماء ولم يشعر العازل فيحصل العلوق ويلحقه الولد. ولا راد لما قضى الله. والفرار من حصول الولد يكون لأسباب منها خشية علوق الزوجة الأمة. لئلا يصير الولد رقيقاً، أو خشية دخول الضرر على الولد المرضع إذا كانت الموطوءة ترضعه، أو فراراً من كثرة العيال إذا كان الرجل مقلاً، فيرغب في قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب. وكل ذلك لا يغني شيئاً. وقد أخرج أحمد والبزار وصححه ابن حبان من حديث أنس: أن رجلاً سأل عن العزل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولداً. وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس. وفي الأوسط له عن ابن مسعود كذا في الفتح.
1135- حدثنا أبُو سَلَمةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ حدثنا بِشْرُ بنُ الْمفَضّل عنْ خَالِدٍ الحَذّاءِ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: لَوْ شِئْتُ أنْ أَقُولَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. وَلكِنّهُ قالَ: السّنّةُ، إِذَا تَزَوّجَ الرّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى امْرَأَتِهِ، أقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً. وإذَا تَزَوّجَ الثّيّبَ عَلَى امْرَأتِهِ، أقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثاً. قال: وفي البابِ عنْ أُمّ سَلَمَة. قال أبو عيسى: حدِيثُ أنَسٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقَدْ رَفَعَهُ محَمّدٌ بنُ إسْحَاقَ عَنْ أيّوبَ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ أنَسٍ. ولَمْ يَرْفَعْه بَعْضُهُمْ. قال: والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ. قَالُوا: إذَا تَزَوّجَ الرّجُلُ امْرَأَةً بِكْراً عَلَى امْرَأَتِهِ، أقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً، ثمّ قَسَمَ بَيْنَهُمَا بَعْدُ، بِالْعَدْلِ. وَإِذَا تَزَوّجَ الثّيّبَ عَلَى امْرَأتِهِ أقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثاً. وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإِسحاق. وقال بعض أهل العلم من التابعين: إذا تزوج البكر على إمْرأتِهِ أقام عندها ثلاثاً. وإِذا تزوج الثيب أقام عندها ليلتين والقول الأولُ أصحّ. قوله: (قال) أي أبو قلابة (لو شئت أن أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه قال السنة) كان يشير إلى أنه لو صرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان صادقاً ويكون روى بالمعنى وهو جائز عنده، لكنه رأى أن المحافظة على اللفظ أولى. واعلم أن الصحابي إذا قال السنة أو من السنة فالمراد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يتبادر من قول الصحابي. وقد وقع في صحيح البخاري في الحج قول سالم بن عبد الله بن عمر حين سأله الزهري عن قول ابن عمر للحجاج: إن كنت تريد السنة هل تريد سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له سالم وهل يعنون بذلك إلا سنته انتهى. (إذا تزوج الرجل البكر على امرأته) أي يكون عنده امرأة فيتزوج معها بكراً (أقام عندها سبعاً) زاد في رواية الشيخين ثم قسم قوله: (وإذا تزوج ثيباً على امرأته أقام ثلاثاً) زاد في رواية الشيخين ثم قسم. وفي رواية الدارقطني: للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاثة ثم يعود إلى نسائه. قوله: (وفي الباب عن أم سلمة) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي. وفي رواية الدارقطني: إن شئت أقمت عندك ثلاثاً خالصة لك وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي قالت تقيم معي ثلاثاً خالصة. وفي إسناد رواية الدارقطني هذه الواقدي وهو ضعيف جداً. قوله: (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا: إذا تزوج الرجل امرأة بكراً على امرأته أقام عندها سبعاً ثم قسم بينهما بعد بالعدل الخ) واستدلوا بأحاديث الباب فإنها ظاهرة فيما قالوا. وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وجمهور العلماء قال النووي في شرح مسلم: وفيه أن حق الزفاف ثابت للمزفوفة. وتقدم به على غيرها فإن كانت بكراً كان لها سبع ليال بأيامها بلا قضاء، وإن كانت ثيباً كان لها الخيار إن شاءت سبعاً ويقضي السبع لباقي النساء، وإن شاءت ثلاثاً ولا يقضي. وهذا مذهب الشافعي وموافقيه. وهو الذي ثبتت فيه هذه الأحاديث الصحيحة. ومن قال به مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن جرير وجمهور العلماء انتهى كلام النووي. وروى الإمام محمد في موطإه حديث أم سلمة وفيه: إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت. قالت: ثلث. قال محمد بهذا نأخذ: ينبغي إن سبع عندها أن يسبع عندهن لا يزيد لها عليهن شيئاً، وإن ثلث عندها يثلث عندهن. وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى. قلت: مذهب الحنفية أنه لا فرق بين الجديدة والقديمة ولا بين البكر والثيب بل يجب القسم بينهن بالسوية. والاستدلال على هذا بحديث أم سلمة غير ظاهر بل الظاهر منه هو ما ذهب إليه الجمهور وقد أقر به صاحب التعليق الممجد على موطإ محمد. وكذا الظاهر من سائر أحاديث الباب هو ما ذهب إليه الجمهور ويؤيده رواية الدارقطني بلفظ: إن شئت أقمت عندك ثلاثاً خالصة لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي. قالت تقيم معي ثلاثاً خالصة. واستدل أبو حنيفة وأصحابه بالظواهر الواردة بالعدل بين الزوجات. وأجيبوا بأن أحاديث الباب مخصصة للظواهر العامة. والحاصل أن المذهب الراجح الظاهر من الأحاديث الصحيحة هو مذهب الجمهور والله تعالى أعلم. تنبيه: اعلم أن الإمام أبا حنيفة وأصحابه كما تركوا العمل بظاهر أحاديث الباب، كذلك ترك الإمام مالك وأصحابه العمل بظاهر حديث أم سلمة المذكور. فإنه يفهم منه جواز التخيير للثيب بين الثلاث بلا قضاء والسبع مع القضاء وإليه ذهب الشافعي وأحمد والجمهور. وقال مالك وأصحابه لا تخيير بل للبكر الجديدة سبع، وللثيب ثلاث، بدون التخيير والقضاء. قال ابن عبد البر: هذا يعني حديث أم سلمة تركه مالك وأصحابه للحديث الذي رواه مالك عن أنس انتهى. وأشار به إلى حديث أنس المذكور في الباب قال صاحب التعليق الممجد: واعتذر أصحاب مالك عن حديث أم سلمة الدال صريحاً على التخيير، بأن مالكاً رأى ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خص في النكاح بخصائص. فاحتمال الخصوصية منع من الأخذ به. وفيه ضعف ظاهر لأن مجرد الاحتمال لا يمنع الاستدلال انتهى. قلت الأمر كما قال صاحب التعليق الممجد.
(باب ما جاء في التسوية بين الضرائر) هي زوجات الرجل لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة والقسم. كذا في المجمع 1136- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ حدثنا بِشْرُ بنُ السّرِيّ. حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمةَ عنْ أيّوبَ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ، عنْ عَائِشَةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ ويَقُولُ: الّلهُمّ هذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلاَ تَلُمْنِي فِيما تَمْلِكُ ولاَ أَمْلِكُ". قال أبو عيسى: حديثُ عَائشةَ هكَذَا، رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عن حمّادِ بنِ سلمَةَ، عنْ أَيّوبَ عنْ أبي قِلاَبَةَ، عنْ عبدِ الله بنِ يَزِيدَ، عنْ عَائِشَةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقْسم". وَرَوَاهُ حَمّادُ بنُ زَيْدِ وغَيْرُ وَاحدٍ عن أيّوبَ، عنْ أبي قِلاَبَةَ، مُرْسَلاً أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقْسِمُ" وهذَا أصَحّ مِنْ حَديثِ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ. 1137- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عبدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِي. حدثنا هَمامٌ عنْ قتادَةَ، عنِ النّضْرِ بنِ أنَسٍ، عنْ بَشِيرِ بنِ نَهِيكٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذا كانَ عِنْدَ الرّجُلِ امْرَأَتَانِ، فَلْم يعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ وَشِقّهُ سَاقِطٌ". قال أبو عيسى: وَإنّمَا أَسْنَدَ هذا الحَديثَ هَمّامُ بن يَحْيَى عن قَتَادَة. ورَوَاهُ هِشَامٌ الدّسْتَوَائيّ عنْ قَتَادةَ قالَ: كانَ يُقالُ. وَلاَ نَعْرِفُ هذَا الحديثَ مَرفوعاً إِلاّ مِنْ حدِيثِ هَمّامٍ. وهمام ثِقةٌ حَافِظٌ. قوله: (كان يقسم بين نسائه فيعدل) استدل به من قال أن القسم كان واجباً عليه، وذهب بعض المفسرين إلا أنه لا يجب عليه، واستدلوا بقوله تعالى {ترجى من تشاء منهن} الاَية، وذلك من خصائصه (ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك) أي أقدر عليه (فلا تلمني) أي لا تعاتبني ولا تؤاخذني (فيما تملك ولا أملك) أي من زيادة المحبة والميل. قال ابن الهمام: ظاهره أن ما عداه مما هو داخل تحت ملكه وقدرته يجب التسوية فيه. ومنه عدد الوطآت والقبلات والتسوية فيهما غير لازمة إجماعاً. قوله: (وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة) وكذا أعله النسائي والدارقطني وقال أبو زرعة: لا أعلم أحداً تابع حماد بن سلمة على وصله: والحديث أخرجه الخمسة إلا أحمد وأخرجه أيضاً الدارمي وصححه ابن حبان والحاكم. قوله: (كذا فسره بعض أهل العلم) أخرج البيهقي من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) قال في الحب والجماع وعند عبيدة بن عمرو السلماني مثله. قوله: (جاء يوم القيامة وشقه ساقط) وفي بعض الروايات جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطاً أو ماثلاً. قال الطيبي في شرح قوله: "وشقه ساقط" أي نصفه ماثل قيل بحيث يراه أهل العرصات ليكون هذا زيادة في التعذيب وهذا الحكم غير مقصور على امرأتين، فإنه لو كانت ثلاث أو أربع كان السقوط ثابتاً، واحتمل أن يكون نصفه ساقطاً وإن لزم الواحدة وترك الثلاث أو كانت ثلاثة أرباعه ساقطة على هذا فاعتبر، ثم إن كانت الزوجتان إحداهما حرة والأخرى أمة فللحرة الثلثان من القسم وللأمة الثلث. بذلك ورد الأثر قضى به أبو بكر وعلي رضي الله عنهما. كذا في المرقاة: قوله: (وإنما أسند هذا الحديث همام) أي رواه مرفوعاً، (ولا نعرف هذا الحديث مرفوعاً إلا من حديث همام) وقال عبد الحق: هو خبر ثابت لكن علته أن هماماً تفرد به، وأن هشاماً رواه عن قتادة فقال: كان يقال. وأخرج أبو نعيم عن أنس نحوه. وحديث أبي هريرة هذا أخرجه الخمسة وأخرجه أيضاً الدارمي وابن حبان والحاكم قال: وإسناده على شرط الشيخين كذا في المنتقى والنيل.
1138- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ وَ هَنّادٌ قالا: حدثنا أبُو معَاوِيَةَ عنِ الْحَجّاجِ، عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ، عنْ أَبِيهِ، عنْ جَدّهِ أنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ردّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أبي الْعَاصِ بنِ الرّبِيعِ، بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكاحٍ جَدِيدٍ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ فِي إسْنَادهِ مَقالٌ وفي الحديث الاَخر أيضاً مقالٌ والعَمَلُ عَلَى هذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْمَرأَةَ إِذَا أَسْلَمت قَبْلَ زَوْجِهَا ثُمّ أسْلَمَ زَوْجُهَا وَهِيَ في الْعِدّةِ أَنّ زَوْجَهَا أَحَقّ بِهَا ما كانَتْ في الْعِدّةِ. وهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ وَالأوْزَاعِيّ وَالشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. 1139- حدثنا هَنّادُ حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ عنْ مُحَمّدِ بنِ إسْحَاقَ قالَ: حَدّثَني دَاوُدُ بنُ الحُصَيْن عنْ عِكْرَمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "رَدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أبِي الْعَاصِ بنِ الرّبِيعِ، بَعْدِ سِتّ سِنِينَ، بالنّكاحِ الاْوّلِ. ولَمْ يُحْدِثْ نِكاحاً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ لَيْسَ بإسنَادِه بأسٌ، ولَكنْ لا نَعْرِفُ وَجْهَ هذَا الحدَيثِ، وَلَعَلّهُ قَدْ جَاء هذَا مِنْ قِبَلِ دَاوُدَ بنِ حُصَيْنٍ، مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. 1140- حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسى حدثنا وَكيعٌ قال حدثنا إسْرَائِيلُ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابن عبّاسٍ: "أنّ رَجُلاً جَاءَ مُسْلِماً عَلَى عَهْدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. ثمّ جَاءَتِ امْرأتُهُ مُسْلِمَة. فقَالَ: ياَ رسولَ الله إنهَا كانَتْ أسْلَمَتْ مَعِي. فردّها عليّ فَرَدّهَا عَلَيْهِ". هذا حديثٌ صحيحٌ. سَمِعْتُ عَبْدَ بن حميدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بنَ هَارُونَ يَذْكُرُ عن محمّدِ بنِ إسْحَاقَ، هذا الحديثَ. وحديثُ الحجّاجِ، عنْ عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ، عنْ أبيهِ عن جدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَدّ ابْنَتَه زينب عَلَى أبي العاصِ بمَهْرٍ جَديدٍ وَنِكاحٍ جَدِيدٍ. قال يَزِيدُ بنُ هَارُونَ: حدِيثُ ابنِ عبّاس أَجْودُ إسْناداً. والعَمَلُ عَلَى حديثِ عَمْرو بن شُعيْب. قوله: (عن الحجاج) هو ابن أرطاة صدوق كثير الخطأ والتدليس. قوله: (رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد) يخالفه حديث ابن عباس الاَتي ففيه أنه صلى الله عليه وسلم ردها عليه بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحاً، وهو أصح كما ستعرف، قوله: (هذا حديث في إسناده مقال في إسناده حجاج بن أرطاة وهو مدلس). وأيضاً لم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبو عبيد، وإنما حمله عن العرزمي وهو ضعيف، وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم كذا في النيل والحديث أخرجه أيضاً ابن ماجه قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم) أي من حيث أن هذا الحديث يقتضي أن الرد بعد العدة يحتاج إلى نكاح جديد. فالرد بلا نكاح لا يكون إلا قبل العدة. قاله أبو الطيب المدني، (وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق) وقال محمد في موطإه: إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر في دار الإسلام لم يفرق بينهما حتى يعرض على الزوج الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى أن يسلم فرق بينهما وكانت فرقتها تطليقة بائنة. وهو قول أبي حنيفة وإبراهيم النخعي انتهى. قوله: (بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحاً) وفي رواية بعد ثلاث سنين وأشار في الفتح إلى الجمع فقال: المراد بالست ما بين هجرة زينب وإسلامه، وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى: {لاهن حل لهم} وقدومه مسلماً فإن بينهما سنتين وأشهراً. قوله: (هذا حديث ليس بإسناده بأس) حديث ابن عباس هذا صححه الحاكم. وقال الخطابي: هو أصح من حديث عمرو بن شعيب، وكذا قال البخاري. قال ابن كثير في الإرشاد: هو حديث جيد قوي وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس انتهى، إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه، وقد ضعف أمرها علي ابن المديني وغيره من علماء الحديث وابن إسحاق فيه مقال معروف. كذا في النيل. قلت قد تقدم في بحث القراءة خلف الإمام أن الحق أن ابن إسحاق ثقة قابل للاحتجاج. (ولكن لا نعرف وجه الحديث) قال الحافظ: أشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة. قال ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها. وممن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر، وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه، ورده بالاجماع المذكور. وتعقب بثبوت الخلاف قديماً فيه، فقد أخرجه ابن أبي شيبة عن علي وإبراهيم النخعي بطرق قوية، وأفتى به حماد شيخ أبي حنيفة، وأجاب الخطابي عن الاشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن وإن لم تجر به عادة في الغالب، ولا سيما إن كانت المدة إنما هي سنتان وأشهر فإن الحيض قد يبطئ عن ذات الأقراء لعارض. وبمثل هذا أجاب البيهقي. قال الحافظ: وهو أولى ما يعتمد في ذلك وقال السهيلي في شرح السيرة: إن حديث عمرو بن شعيب هو الذي عليه العمل، وإن كان حديث ابن عباس أصح اسناداً، لكن لم يقل به أحد من الفقهاء، لأن الإسلام قد كان فرق بينهما قال الله تعالى: {لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن} ومن جمع بين الحديثين قال: معنى حديث ابن عباس: ردها عليه على النكاح الأول في الصداق والحباء، ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره انتهى. وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد الله. وقيل: إن زينب لما أسلمت وبقي زوجها على الكفر لم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر، فلما نزل قوله تعالى: {لاهن حل لهم} الاَية أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أن تعتد، فوصل أبو العاص مسلماً قبل انقضاء العدة فقررها النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول. فيندفع الاشكال. قال ابن عبد البر: وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد. والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل، ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري. قال الحافظ: وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس، كما رجحه الأئمة، وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم وإسلاء أبي العاص، ولا مانع من ذلك انتهى. وفي المقام كلام أكثر من هذا فعليك أن تراجع شروح البخاري كالفتح وغيره. قوله: (فقال يا رسول الله إنها كانت أسلمت معي فردها عليه) فيه أن المرأة إذا أسلمت مع زوجها ترد إليه وهذا مجمع عليه. قوله: (يذكر عن محمد بن إسحاق هذا الحديث) أراد بهذا الحديث حديث ابن عباس المذكور بلفظ: رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب الخ.
1141- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا يَزِيْدُ بنُ الْحُبَابِ. حدثنا سُفْيَانُ عنْ مَنْصُورٍ، عنْ إبْرَاهِيمَ، عنْ عَلْقَمَةَ، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ، أَنهُ سُئِلَ عنْ رَجُلٍ تَزَوّجَ امْرَأَةً ولَمْ يَفْرِضْ لهَا صَدَاقاً، ولَمْ يَدْخُلْ بهَا حَتّى مَاتَ. فقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: لهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا. لاَ وَكْسَ ولاَ شَطَطَ. وعَلَيْهَا العِدّةُ وَلهَا الْمِيرَاثُ. فقَامَ مَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيّ فقَالَ: قضَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، امْرَأَة مِنّا، مِثْلَ الذي قضَيْتَ. فَفرِحَ بهَا ابنُ مَسْعُودٍ. قال: وفي البابِ عَن الْجَرّاحِ. حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلي الْخَلاّلُ. حدثنا يَزيدُ بنُ هارُونَ وعَبْدُ الرّزّاقِ، كِلاَهُمَا عنْ سُفْيَانَ، عنْ مَنْصُورٍ نَحْوَهُ. قال أبو عيسى: حَدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَقَدْ رُوِى عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ. وَبِه يَقُولُ الثّوْرِيّ وأحْمَدُ وإسْحَاقُ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ عَليّ بنُ أبي طَالبٍ وَزَيْدُ بنُ ثَابِت وابن عباس وابنُ عُمرَ: إِذَا تَزَوّجَ الرّجُلُ المرَأَة ولم يدخل بها ولَمْ يَفْرِضْ لهَا صَدَاقاً حَتّى مَاتَ، قالُوا: لهَا الْمِيرَاثُ، ولاَ صَدَاقَ لهَا، وعَلَيْهَا الْعِدّةُ. وَهُوَ قَوْل الشّافِعيّ. قالَ: لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ بَرْوَعَ بِنْتِ واشِقٍ لَكانَتِ الْحُجّةُ فِيما رُوِيَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. ورُوِيَ عنِ الشّافِعيّ أنّهُ رَجَعَ بِمِصْرَ بَعْدُ عنْ هذَا الْقَوْلِ، وقالَ بِحَدِيثِ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ قوله: (ولم يفرض) بفتح الياء وكسر الراء أي لم يقدر ولم يعين (لها صداقا) أي مهراً (ولم يدخل بها) أي لم يجامعها ولم يخل بها خلوة صحيحة (مثل صداق نسائها) أي نساء قومها (لا وكس) بفتح فسكون أي لا نقص (ولا شطط) بفتحتين أي ولا زيادة (ولها العدة) أي الموفاة (ولها الميراث) زاد في رواية لأبي داود: فإن يك صواباً فمن الله، وإن يك خطأ فمني، ومن الشيطان والله ورسوله بريئان. (فقام معقل) بفتح الميم وكسر القاف (ابن سنان) بكسر السين (الأشجعي) بالرفع صفة معقل (في بروع) قال في القاموس كجدول ولا يكسر بنت واشق صحابية انتهى. وقال في المغنى بفتح الباء عند أهل اللغة وكسرها عند أهل الحديث انتهى. وقال في جامع الأصول: أهل الحديث يرونها بكسر الباء وفتح الواو وبالعين المهملة. وأما أهل اللغة فيفتحون الباء ويقولون إنه ليس بالعربية فعول إلا خروع لهذا النبت، وعقود اسم واد انتهى. قال القاري فليكن هذا من قبيلهما ونقل المحدثين أحفظ. قال وهو غير منصرف (بنت واشق) بكسر الشين المعجمة (ففرح بها) أي بالقضية أو بالفتيا لكون اجتهاده موافقاً لحكمه صلى الله عليه وسلم. قوله: (وفي الباب عن الجراح) بفتح الجيم وتشديد الراء بن أبي الجراح الأشجعي صحابي مقل وأخرج حديثه أبو داود قوله: (حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح) قال الحافظ في بلوغ المرام: وصححه الترمذي وجماعة انتهى. قال في السبل منهم ابن مهدي وابن حزم وقال: لا مغمز فيه بصحة إسناده. ومثله قال البيهقي في الخلافيات. قلت: الحديث صحيح وكل ما أعلوه به فهو مدفوع. قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وبه يقول الثوري وأحمد وإسحاق) قال في النيل: والحديث فيه دليل على أن المرأة تستحق بموت زوجها بعد العقد قبل فرض الصداق جميع المهر، وإن لم يقع منه دخول ولا خلوة. وبه قال ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد انتهى. قلت: وهو الحق. (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس وابن عمر: إذا تزوج الرجل امرأة ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا حتى مات قالوا لها الميراث ولا صداق لها، وعليها العدة) وهو قول الأوزاعي والليث ومالك وأحمد قول الشافعي. قالوا لأن الصداق عوص، فإذا لم يستوف الزوج المعوض عنه لم يلزم قياساً على ثمن المبيع. وأجابوا عن الحديث بأن فيه اضطراباً فروى مرة عن معقل بن سنان، ومرة عن معقل بن يسار، ومرة عن بعض أشجع لا يسمى، ومرة عن رجل من أشجع أو ناس من أشجع. وضعفه الواقدي بأنه حديث ورد إلى المدينة من أهل الكوفة فما عرفه علماء المدينة. وروي عن علي رضي الله عنه أنه رده بأنه معقل بن سنان أعرابي بوال على عقبيه. وأجيب بأن الاضطراب غير قادح لأنه متردد بين صحابي وصحابي، وهذا لا يطعن به في الرواية ولا يضر الرواية بلفظ "عن بعض أشجع" أو "عن رجل من أشجع" لأنه فسر ذلك بمعقل. قال البيهقي: قد سمى فيه ابن سنان وهو صحابي مشهور، والاختلاف فيه لا يضر فإن جميع الروايات فيه صحيحة، وفي بعضها ما دل على أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك وقال ابن أبي حاتم قال أبو زرعة الذي قال معقل بن سنان أصح. وأما عدم معرفة علماء المدينة فلا يقدح بها عدالة الراوي. وأما الرواية عن علي رضي الله عنه فقال في البدر المنير: لم يصح عنه (وقال لو ثبت حديث بروع بنت واشق لكانت الحجة فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقال الشافعي في الأم: إن كان يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أولى الأمور، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كبر. ولا شيء في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له. ولم أحفظه عنه من وجه يثبت مثله مرة يقال عن معقل بن سنان، ومرة عن معقل بن يسار، ومرة عن بعض أشجع لا يسمى انتهى. وغرضه التضعيف بالاضطراب، وقد عرفت الجواب عنه. وروى الحاكم في المستدرك عن حرملة بن يحيى أنه قال: سمعت الشافعي يقول إن صح حديث بروع بنت واشق قلت به. قال الحاكم: قال شيخنا أبو عبد الله لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس وقلت قد صح الحديث انتهى. وروي عن الشافعي أنه رجع عن هذا القول. وقال بحديث بروع بنت واشق لثبوته عنده بعد أن كان متردداً في صحته.
|